كشفت دراسة علمية قام بها أساتذة التربية في مصر أن نسبة ما يبقى من معلومات في ذهن الطلاب بعد أسبوع واحد فقط من الامتحان لا تتعدى 22% فقط مما كانوا يعرفونه ليلة الامتحان، والسبب في هذا يرجع إلى نوعية الأسئلة التي تحملها الورقة الامتحانية والتي تقيس فقط كمًّا من المعلومات، وربما لا تقيس التراكم المعرفي للطالب منذ بدأ التعليم وحتى تلك اللحظة وإمكانياته العقلية المختلفة.
سلبيات الامتحانات العربية
ويلخص الدكتور "حسن عبد الغفور" مسئول التقويم والامتحانات أبرز السلبيات في نظام الامتحانات في مدارسنا العربية في بعض نقاط:
محدودية دور المعلم (وهو أقرب الناس للطالب) في تقويم الطالب.
عدم تنويع أساليب القياس والتقويم، والاعتماد غير المبرر على الامتحانات التحريرية بدرجة تكاد تكون كاملة.
إتاحة فرص أوسع للغش الفردي والجماعي؛ بسبب نظام الامتحانات ومضمون وطريقة الامتحان.
إتاحة فرص أوسع للدروس الخاصة بغرض التدريب على تحصيل الدرجات في الامتحانات، وليس بغرض رفع مستوى التعلم، وهذه أكبر مشكلات النظام حاليًا.
ارتفاع درجة السرية والغموض والشك حول التصحيح والنتائج، وتعقد إجراءات تصحيح الخطأ عندما يتم اكتشافه.
عدم قياس وتقويم بعض الجوانب المهمة في أداء الطالب، مثل: المواهب الخاصة، أو النمو الخلقي.
بنوك الأسئلة.. منعًا للتسريب وخلافه
وطرح الدكتور "شكري سيد أحمد" رئيس قسم التقويم التربوي بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي بمصر فكرة إنشاء بنوك لأسئلة الامتحانات أو الاختبارات المختلفة، التي لا تتضمن إلا نوعية جيدة من الأسئلة، توضع جميعها على جهاز الكمبيوتر؛ بحيث تكون متاحة لجميع المعلمين، وتوفر الوقت والجهد الذي يبذله المعلم في وضع الأسئلة، وتضمن نوعية جيدة من الأسئلة؛ حيث نضمن أن تقيس جميع الجوانب المعرفية والمهارية والسلوكية التي نريد تقييم الطلاب فيها.
وتفيد بنوك الأسئلة في تنفيذ فكرة "تفريد التقويم"؛ حيث يقوم الامتحان أو الاختبار المناسب لظروف كل فرد أو مجموعة أفراد، ويتيح بنك الأسئلة مقارنة بنتائج تطبيق الاختبار على مجموعات مختلفة من التلاميذ على نفس مستوى القياس وبدرجة دقة عالية لإتمام المقارنة، وبما يتيح أيضًا طريقة "لا مركزية تطبيق الاختبارات والامتحانات" وتطبيق اختبارات على المستوى القومي، وتقلل من مشكلة تسرب الأسئلة أو عدم الأمن لها بسبب ضخامة كَمِّ أسئلة البنك، وتفيد بنوك الأسئلة بشكل أكبر في حالة البلدان ذات النظام التعليمي الذي يضم عددًا ضخمًا من المدارس مع قلة الموارد والإمكانات.
ويوضح الدكتور شكري أن تطبيق فكرة بنوك الأسئلة يستلزم توافر اعتمادات مالية كبيرة نسبيًا، خاصة في بداية إنشاء بنك الأسئلة، وكذلك توافر خبراء متخصصين وبرامج Soft ware يسهل استخدامها؛ حيث يعطون شروطًا (أو مواصفات) للكمبيوتر لتصميم عدة نماذج للاختبارات وفقًا لعدد من الخصائص التي تعطى للكمبيوتر لتجهيز هذه الاختبارات.
ويطرح الدكتور شكري طريقة أخرى للاختبارات عن طريق استخدام الكمبيوتر أيضا تعتمد على التفاعل بين الكمبيوتر والطالب، لكنها تعتمد على توافر أعداد كافية من أجهزة الكمبيوتر لجميع الطلاب، وتقوم هذه الطريقة على استخدام الأشكال والصور والرسوم بدلا من الصيغ اللفظية التحريرية أو الشفهية، ويفيد هذا أكثر في حالة الأطفال الصغار حينما تكون اللغة عائقًا في تقديم اختبارات لفظية لهم لقلة رصيدهم اللغوي بسبب صغر سنهم، كذلك حينما تعطى لهم مسائل رياضية قد تكون اللغة اللفظية هي العائق أمام فَهمِهم لها والحد من قدرتهم على حلها؛ حيث يكون الاختبار لقياس القدرة على إجراء المهارة الحسابية أو الرياضية دونما أثر للصياغة اللفظية كعائق.
من الكويت.. الاختبارات التعاونية
أما التجربة الكويتية، فقد تحدث عنها الدكتور "سالم مهنا" الأستاذ بكلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم والتطوير والتدريب بدولة الكويت، قائلاً: تعميم استخدام الكمبيوتر في الامتحانات يحتاج لإمكانيات كبيرة؛ بحيث يكون هناك كمبيوتر لكل طالب أثناء الامتحانات وطوال العام الدراسي للتدريب، بالإضافة إلى اقتناع المسئولين أنفسهم بأهمية استخدام الكمبيوتر لتوفير الإمكانات والميزانيات اللازمة لذلك.
ويوضح د. سالم مهنا قائلا: وهذا ليس متاحًا في كل الدول العربية حتى الآن، لكن هناك بعض أنواع من الاختبارات أو التقويمات التي يمكن أن تطور التعليم من ناحية، وتنمي مهارات الطالب من ناحية أخرى؛ مثل ما يسمى (بالاختبار التعاوني المشترك)، وهو اختبار يقدم لطالبين أو ثلاثة ويحاولون جميعًا الإجابة عنه، أو إنجازه إذا كان تدريبًا عمليًا أو عملاً يدويًا مثل الأنشطة الفنية كالخزف أو الأشغال اليدوية، أو كتابة التقارير عن موضوع معين في شكل بحث مشترك، أو بحث ميداني يعتمد على زيارات لبعض الأماكن وهكذا، وتوزع درجات هذا الاختبار على الطلاب المشاركين بالتساوي، وهي اختبارات تأخذ في اعتبارها تنمية المهارات الاجتماعية والنفسية للطلاب.
البحرين.. ألغت الامتحانات!!
أثارت التجربة البحرينية ردود أفعال مختلفة عندما طرحت خلال المؤتمر بسبب إلغائها للامتحانات، أو بمعنى أدق لربط نتائج الاختبارات بالانتقال من صف لآخر خلال العامين الأولين من التعليم الابتدائي؛ بمعنى أن الطالب في الصف الأول الابتدائي سينتقل إلى الصف الثاني الابتدائي، ولن يرسب أي طالب مهما بلغ مستواه العلمي أو المهاري، وكذلك الأمر بالنسبة للانتقال من الصف الثاني الابتدائي إلى الثالث، فيكفي فقط كتابة تقرير للطلاب، مع التوصية بتوفير برنامج علاجي لجوانب الضعف في التلميذ مع رفعه إلى الصف الدراسي الأعلى، أما في الصف الثالث فإن الطالب لا ينتقل إلى الصف الرابع إذا رسب في مادتين أساسيتين هما اللغة العربية والرياضيات.
ويقول "منصور صياح" الإخصائي التربوي بوزارة التربية والتعليم بالبحرين: منذ نهاية الثمانينيات بدأت البحرين في تطبيق نظام جديد للتقويم بالمدارس الابتدائية يقوم بالأساس على ألا يشعر الطالب بأنه يقوم بأداء امتحان؛ فالأسئلة الشفهية طوال اليوم الدراسي، والأنشطة التي يقوم بها الطلاب، والملاحظة المنظمة من قبل المعلم لسلوك الطالب وأدائه تشكل جميعها تقييمًا للطالب يحتفظ به في الحقيبة المدرسية أو الملف الخاص بكل طالب، وتكفي هي وحدها لتقويم الطلاب في الصفين الأول والثاني الابتدائي.
ويقول أيضا: أما خلال الصفوف (الثالث والرابع والخامس) الابتدائي، فإنه يضاف إلى هذا النوع من التقويم التقويم التحريري أو تقويم الورقة والقلم، لكن نسبة درجات هذا الاختبار التحريري لا تشكل سوى 30% من مجموع درجات الطالب التي يقوم فيها طوال العام الدراسي.
ويكمل منصور: ويطبق هذا النظام على بعض المدارس الإعدادية أيضًا، لكن الأهم من وجهة نظري ألا يكون التطوير في نظام التقويم فقط، بل يشمل البيئة التعليمية وطرق التدريس أيضًا لكي يتطور التعليم بالشكل الذي نبغيه، وفي المرحلة الثانوية كان التطوير في التقويم متناسبًا مع طبيعة الطلاب في هذه المرحلة، فكان التقويم في السابق يعتمد على إعطاء نسبة 85% على امتحانات الفصلين الدراسيين في درجات الطالب النهائية و15% على أعمال السنة.
ويضيف منصور: أما التقويم الحالي فقد ركز على طريقة توزيع الدرجات وتقليل رهبة الامتحانات، عن طريق احتساب درجات الطالب بشكل تراكمي خلال ستة فصول دراسية هي مجموع الفصول الدراسية خلال السنوات الثلاث الثانوية، ولا تشكل نسبة درجات الامتحانات التحريرية سوى 50% فقط من درجات الطالب، والباقي عبارة عن درجات تقويم يومي وأسبوعي وشهري (أعمال السنة).
ويقول أيضا: هذا بالإضافة إلى تطوير نظام المواد الدراسية؛ بحيث يدرس طلاب القسم العلمي بعض مواد القسم الأدبي والعكس صحيح، كما يدرس جميع الطلاب مقررات عملية يختارونها من مقررات التعليم التجاري والصناعي والفني والألعاب الرياضية وغيرها، وتحتسب درجاتها أيضًا من خلال الممارسات العملية والتقويمات المختلفة أيضًا، وذلك حتى يزود الطالب بمهارات وثقافة واسعة مختلفة الأبعاد.
في قطر.. تجربة للمتفوقين فقط
أما التجربة القطرية في تطوير الامتحانات فقد عرضها الدكتور "خالد الحرقان" من جامعة قطر، وأوضح في البداية أن هموم التعليم واحدة في جميع الأقطار العربية، وأن محاولات قطر في تطوير التعليم خلال العامين الأخيرين بدأت بتخريج أولى دفعات المدارس العلمية التي تقتصر على قبول المتفوقين والمتميزين من الطلاب للدراسة بها خلال المرحلة الثانوية، وهي مدراس نموذجية تم تجهيزها بتجهيزات عالية، وتختلف فيها طرق التدريس والاختبارات والتقويم عن باقي مدارس التعليم الثانوي؛ لتعمم التجربة بعد ذلك في أكثر من مدرسة بهدف تطوير نوعية التعليم بما يتفق مع متطلبات العصر الحديث.
وأخيرًا يؤكد الدكتور "سليمان الخضري" رئيس المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي بمصر أن تقسيم درجات تقييم الطالب على عدة مجالات أو على الأنشطة العملية، وقصر درجات الامتحان التحريري على نسبة لا تتجاوز 15% من درجات التقييم النهائي سيقضي على الكثير من مشاكل التعليم، ويزيل التوتر الذي يعاني منه التلميذ والأسر العربية أثناء فترات الامتحانات.
ويستطرد دكتور الخضري: "وكذلك سيحقق هذا النظام التعلم الفعال، ويقضي على مشكلة الدروس الخصوصية والكتب الخارجية وغيرها؛ فتقويم الطالب طوال العام من خلال الاختبارات المعملية والحوارات الشفوية، والبحث في المكتبة والمناظرات وغيرها، يبني شخصية الطالب ويقضي على الرعب السنوي من الامتحان".
ويقول د. الخضري أيضا: "التحدي الآن هو كيفية التغلب على العقبات التي تحول دون تطبيق هذا النظام مثل كثافة الفصول الدراسية، واقتناع الأسر وأولياء الأمور بهذه الضرورة".
[center]